في لحظة رمزية بالغة، وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، مُعلنًا بدء أول زيارة خارجية له في ولايته الثانية، تمامًا كما فعل خلال زيارته الشهيرة عام ٢٠١٧. إلا أن المشهد هذه المرة مختلف تمامًا. لقد تغير العالم، وازدادت التحديات الإقليمية تعقيدًا، واشتدت حدة القضايا في المنطقة.
زيارة ترامب الثانية إلى المملكة العربية السعودية ليست مجرد تكرار للزيارة السابقة؛ بل تحمل أبعادًا استراتيجية جديدة، لا سيما في ظل التحولات الجيوسياسية المستمرة. تأتي هذه الزيارة، التي وصفها ترامب بـ"التاريخية"، في ظل تواصل دبلوماسي مستمر بين واشنطن ودول الخليج، مع تركيز كبير على تداعياتها الاقتصادية والسياسية. ستستمر الزيارة من ١٣ إلى ١٦ مايو.
إبدأ بالإستثمار اليوم أو تدرّب على حساب تجريبي
إنشاء حساب حساب تجريبي تحميل تطبيق الجوال تحميل تطبيق الجوالإن الخروج عن التقاليد الدبلوماسية الأمريكية، التي عادةً ما تُعطي الأولوية للعواصم الغربية أو الحلفاء التقليديين مثل لندن وأوتاوا، يُؤكد على العلاقة الفريدة مع المملكة العربية السعودية. جدول أعمال ترامب حافل بالاتفاقيات المتوقعة في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا، حيث من المقرر عقد اجتماع يوم الثلاثاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، برفقة مسؤولين أمريكيين ومديرين تنفيذيين لشركات كبرى.
على الصعيد السياسي، ستحتل قضايا الشرق الأوسط مكانة بارزة، بما في ذلك صراع غزة والمحادثات الأمريكية الإيرانية الجارية، والتي أطلعت طهران السعودية عليها خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني الأخيرة إلى الرياض. ومن المرجح أيضًا أن يكون الملف السوري نقطة نقاش رئيسية، حيث تشير التقارير إلى إمكانية رفع العقوبات عن دمشق إذا أبدت استجابتها للمقترحات الأمريكية لتحسين الوضع الإنساني، وهو عامل تعتبره إدارة ترامب أساسيًا لاستقرار المنطقة.
سيُشكّل الاقتصاد محورًا رئيسيًا للمناقشات، لا سيما مع انعقاد منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، بمشاركة واسعة من القطاع الخاص من كلا البلدين. ويمكن أن يشمل التعاون بين البلدين مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والطاقة، حيث تسعى المملكة العربية السعودية إلى جذب الاستثمارات الأمريكية إلى مشاريعها التنموية الشاملة في إطار خطة التحول الوطني. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 32 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مما يعكس قوة العلاقات الاقتصادية، مع توقعات بالإعلان عن اتفاقيات جديدة عقب زيارة ترامب.
تتميز جولة ترامب الخليجية بطابع اقتصادي بامتياز، إذ تأتي في وقت يواجه فيه العالم تحديات كبيرة، أبرزها الحرب التجارية التي بدأها ترامب مع الصين، إلى جانب تحولات جيوسياسية كبرى، بما في ذلك صراع غزة، والتوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من النزاعات الإقليمية والعالمية. وتُعتبر الجولة استمرارًا لجهود ترامب خلال ولايته الأولى، حيث سعى إلى تقديم نفسه كصانع صفقات قادر على تحقيق مكاسب اقتصادية، لا سيما في الأسواق الكبيرة والمؤثرة.
تتمحور هذه الرحلة حول أولويات اقتصادية واضحة. من المتوقع أن يركز ترامب على جذب استثمارات ضخمة في قطاعات حيوية كالتكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. ويتماشى هذا التركيز مع تركيز إدارته على المصالح الاقتصادية تحت شعار "أمريكا أولاً"، وإعطائها الأولوية في العلاقات الدولية.
التعزيز الاقتصادي
- جذب استثمارات ضخمة: يهدف ترامب إلى جذب استثمارات خليجية كبيرة إلى الاقتصاد الأمريكي، لا سيما في قطاعات كالذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة النووية المدنية.
- صفقات التجارة والاستثمار: من المرجح أن تشمل المناقشات اتفاقيات في مجالات الطاقة والتجارة والبنية التحتية والدفاع، حيث يهدف ترامب إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية من خلال مشاريع مشتركة وصفقات أسلحة واسعة النطاق.
- التعاون في مجال الطاقة: سيركز ترامب على ضمان استقرار سوق الطاقة العالمي، والاستفادة من دور الخليج في إنتاج النفط، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية والحاجة إلى تأمين إمدادات النفط لحلفاء الولايات المتحدة.
- تعزيز مكانة ترامب: قد تشمل الزيارة أيضًا الترويج للعقارات المرتبطة بترامب.
- مشاريع إلكترونية وتجارية في المنطقة، مثل الفنادق وملاعب الجولف، تتماشى مع أولويات دول الخليج في مجالي السياحة والتطوير العقاري.
يُرجّح أن يسعى ترامب إلى تفاهمات اقتصادية للحد من تأثير الرسوم الجمركية على أسواق الخليج مع الحفاظ على علاقات تجارية قوية. ونقل تقرير في صحيفة واشنطن بوست عن ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، قوله: "هذه الزيارة تتعلق بالأعمال... إنها رحلة اقتصادية"، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية هي أول من يتعامل مع العالم من منظور اقتصادي وتجاري إلى حد كبير، وليس من منظور استراتيجي أو دبلوماسي.
ووفقًا للتقرير، سيزور كبار المسؤولين التنفيذيين الأمريكيين الرياض للمشاركة في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي. ومن المتوقع أن يحضر المنتدى لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك؛ وجين فريزر، الرئيسة التنفيذية لمجموعة سيتي جروب؛ وأرفيند كريشنا، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم, رئيس شركة تسلا إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" آندي جاسي.
التجارة والنفط
- من المرجح أن يشمل جدول الأعمال مناقشات حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، والنفط، والتجارة، وصفقات الاستثمار، وإعلانات محتملة في مجالات مثل صادرات أشباه الموصلات المتقدمة والبرامج النووية.
- يشعر قادة الخليج، وخاصةً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالقلق إزاء مستقبل صادرات أشباه الموصلات الأمريكية، وخاصةً المنتجات الأكثر تطورًا، والتي قُيّدت لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
- لطالما ارتبط ترامب بعلاقات وثيقة مع دول الخليج، وخاصةً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث يشارك أبناؤه في العديد من المشاريع التجارية والعقارية.
من المتوقع أيضًا الإعلان عن العديد من صفقات الاستثمار، حيث التزمت الإمارات العربية المتحدة بالفعل باستثمارات في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة والألمنيوم في الولايات المتحدة. كما توجد فرص للشركات الأمريكية لزيادة استثماراتها في الخليج.
ستكون أسعار النفط أيضًا محور تركيز رئيسي؛ فقد حثّ ترامب منذ فترة طويلة أوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، على ضخ المزيد من النفط لخفض الأسعار على المستهلكين الأمريكيين
تداولت الأحاديث حول زيارة ترامب للمملكة منذ عدة أشهر، حيث وعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، في يناير بضخ 600 مليار دولار في التجارة والاستثمارات الأمريكية.
وفي رده على هذا العرض، قال ترامب: "سأطلب من ولي العهد، وهو شخص رائع، أن يزيد المبلغ إلى نحو تريليون دولار. أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأننا قدمنا لهم أداءً رائعاً".
رسائل داخلية
من أهم أولويات ترامب خلال زيارته للخليج تقديم نفسه كفائز أمام الرأي العام والناخبين الأمريكيين، لا سيما بعد التحديات الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية المفروضة على مختلف الدول.
هناك استياء في الأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية بسبب التداعيات المحتملة لهذه الرسوم، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى السعي لاستعادة التوازن من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج.
يشير التقرير إلى أن ترامب يسعى إلى تعويض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن سياساته الجمركية، وإبراز نجاحه في إبرام صفقات اقتصادية وعسكرية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
تتميز العلاقات الأمريكية الخليجية بطابعها الاستراتيجي العميق، وهي علاقات تمتد لعقود. ومن غير المرجح أن تتأثر بسهولة، إلا أن زيارة ترامب تُمثل خطوة نحو تطوير هذه العلاقات، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.